بسم الله الرحمن الرحيم
رؤية اسلامية في الختان رقم 1
تعريف الختان :
الختان والختانة لغة: الاسم من الختن، وهو قطع القلفة من الذكر والنواة من الأنثى، كما يطلق الختان على موضع القطع .
يقال: ختن الغلام والجارية يختنها ويختنهما ختناً.
ويقال: غلام مختون وجارية مختونة وغلام وجارية ختين .
كما يطلق عليه : الخفض والإعذار وخص بعضهم الختن بالذكر والخفض بالأنثى والإعذار مشترك بينهما (1) .
والعذرة: الختان وهي كذلك الجلدة يقطعها الخاتن ـ وعذر الغلام والجارية يعذرهما عذراً وأعذرهما ختنهما .
والعذار والإعذار والعذيرة طعام الختان (2)
في مصطلح الفقهاء:ـ
ولا يخرج استعمال الفقهاء للمصطلح عن معناه اللغوي .
قال الله تعالى: ( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين ) الآية (123) من صورة النحل .
وفي الحديث الشريف (3) : " اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة " وروى أبو هريرة (4) ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " الفطرة خمس، أوخمس من الفطرة: الختان والاستحداد ونتف الإبط وقص الشارب وتقليم الأظافر " .
وقد تحدث الإمام النووي الشافعي في المجموع (5) في تفسير الفطرة بأن أصلها الخلقة .
قال الله تعالى: ( فطرت الله التي فطر الناس عليها ) (6)
واختلف في تفسيرها في الحديث، قال الشيرازي والماوردي وغيرهما: هي الدين، وقال الإمام أبو سليمان الخطابي: فسرها أكثر العلماء في الحديث بالسنة، ثم عقب النووي ـ بعد سرد هذه الأقوال وغيرها ـ بقوله: قلت : تفسير الفطرة هنا بالسنة هو الصواب، ففي صحيح البخاري عن ابن عمر عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " من السنة قص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظافر" . وأصح ما فسر به غريب الحديث ـ تفسيره بما جاء في رواية أخرى، ولاسيما في صحيح البخاري .
حكمه ….. واختلاف الأئمة فيه:ـ
وقد اختلف أئمة المذاهب وفقهاؤها في حكم الختان.
قال ابن القيم(1) في كتابه (تحفة المودود): اختلف الفقهاء في ذلك :ـ
فقال الشعبي وربيعة والأوزاعي ويحيى بن سعيد الأنصاري ومالك والشافعي وأحمد: هو واجب، وشدد فيه مالك حتي قال: من لم يختتن لم تجز إمامته ولم تقبل شهادته .
ونقل كثير من الفقهاء عن مالك، أنه سنة، حتى قال القاضي عياض: الاختتان عند مالك وعامة العلماء سنة، ولكن السنة عندهم يأثم تاركها، فهم يطلقونها على مرتبة بين الفرض والندب .
وقال الحسن البصري وأبوحنيفة: لا يجب بل هو سنة .
وفي فقه الإمام أبي حنيفة:(2) أن الختان للرجال سنة وهو الفطرة، وللنساء مكرمة، فلو اجتمع أهل مصر (بلد) على ترك الختان قاتلهم الإمام لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه .
والمشهور في فقه الإمام مالك في حكم الختان للرجال والنساء كحكمة في فقه الإمام أبي حنيفة .
وفقه الإمام الشافعي (1) أن الختان واجب على الرجال والنساء .
وفقه الإمام أحمد بن حنبل (2): أن الختان واجب على الرجال ومكرمة في حق النساء، وليس بواجب عليهن، وفي رواية أخرى عنه أنه واجب على الرجال والنساء كمذهب الإمام الشافعي .
وخلاصة هذه الأقوال(3): أن الفقهاء اتفقوا على أن الختان في حق الرجال، والخفاض في حق الإناث مشروع .
ثم اختلفوا في وجوبه فقال الإمام أبوحنيفة ومالك: وهو مسنون في حقهما، وليس بواجب وجوب فرض ولكن يأثم بتركه تاركه .
وقال الإمام الشافعي: هو فرض على الذكور والإناث .
وقال الإمام أحمد : هو واجب في حق الرجال، وفي النساء عنه روايتان أظهرهما الوجوب .
والختان في شأن الرجال: هو قطع الجلدة التي تغطي الحشفة، بحيث تنكشف الحشفة كلها .
وفي شأن النساء: قطع الجلدة التي فوق مخرج البول دون مبالغة في قطعها، دون استئصال، وسمي هذا بالنسبة لهن (خفاضاً) .
الدليل على خفاض النساء:ـ
وقد استدل الفقهاء على خفاض النساء بحديث أم عطية ـ رضي الله عنه ـ قالت: إن امرأة كانت تختن بالمدينة، فقال لها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " لا تنكهي، فإن ذلك أحظى للزوج وأسرى للوجه"، وجاء ذلك مفصلاً في رواية أخرى تقول : ( إنه عندما هاجر النساء كان فيهن أم حبيبة وقد عرفت بختان الجواري، فلما رآها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لها : يا أم حبيبة، هل الذي كان في يدك هو في يدك اليوم؟ فقالت: نعم يا رسول الله إلا أن يكون حراماً فتنهاني عنه ـ فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: بل هو حلال، (فادن) مني حتى أعلمك، فدنت منه ـ فقال: يا أم حبيبة، إذا أنتِ فعلت فلا تنهكي، فإنه أشرق للوجه أحظى للزوج (1) .
ومعنى (لا تنهكي): لا تبالغي في القطع والخفض، ويؤكد هذا الحديث الذي رواه أبوهريرة ـ رضي الله عنه ـ أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم: " يا نساء الأنصار اختفضن ( أي اختتن ) ولا تنهكن ( أي لا تبالغن في الخفاض )، وهذا الحديث جاء مرفوعاً برواية أخرى عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ .
وهذه الروايات وغيرها تحمل دعوة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلأى ختان النساء، ونهيه عن الاستئصال، وقد علل هذا في إيجاز وإعجاز حيث أوتي جوامع الكلم فقال:
" فإنه أشرق للوجه، أحظى للزوج " .
وهذا التوجيه النبوي إنما هو لضبط ميزان الحس الجنسي عند الفتاة، فأمر بخفض الجزء الذي يعلو البول؛ لضبط الاشتهاء، مع الإبقاء على لذات النساء، واستمتاعهن مع أزواجهن، ونهى عن إبادة مصدر هذا الحس واستئصاله .
وبذلك يتحقق الاعتدال، فلم يعدم المرأة مصدر الاستمتاع والاستجابة، ولم يبقها دون خفض فيدفعها إلى الاستهتار، وعدم القدرة على التحكم في نفسها عند الإثارة .
لما كان ذلك .
كان المستفاد من النصوص الشرعية، ومن أقوال الفقهاء على النحو المبين والثابت في كتب السنة والفقه أن الختان للرجال والنساء من صفات الفطرة التي دعا إليها الإسلام، وحث على الالتزام بها على ما يشير إليه تعليم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كيفية الختان، وتعبيره في بعض الرويات بالخفض مما يدل على القدر المطلوب في ختانهن .
ومقتضى ما قاله الإمام البيضاوي عن حديث(1) (خمس من الفطرة ): أنه عام في ختان الذكر والأنثى، حيث قال: إن معنى الفطرة في هذا الحديث تتمثل في مجموع ما ورد من أن الفطرة: هي السنة القديمة التي اختارها الأنبياء . واتفقت عليها الشرائع، فكأنها أمر جبلي ينطوون عليه، وقال الشوكاني (2) في نيل الأوطار إن تفسير الفطرة بالسنة لا يراد بها الطريقة، أي طريقة الإسلام؛ لأن لفظ السنة على لسان الشارع أعم من السنة في اصطلاح الأصوليين .
الختان من شعائر الإسلام
ومن هنا: اتفقت كلمة فقهاء المذاهب على أن الختان للرجال والنساء من فطرة الإسلام وشعائره، أنه أمر محمود، ولم ينقل عن أحد من فقهاء المسلمين فيما طالعنا من كتبهم التي بين أيدينا ـ قول بمنع الختان للرجال أو النساء أو عدم جوازه أو إضراره بالأنثى، إذا هو تم على الوجه الذي علمه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأم حبيبة في الرواية المنقولة آنفاً .
أما الاختلاف في وصف حكمه، بين واجب وسنة ومكرمة، فيكاد يكون اختلافاً في الاصطلاح الذي يندرج تحته الحكم .
يشير إلى هذا: ما نقل في فقه(1) الإمام أبي حنيفة من أنه: لو اجتمع أهل مصر (بلد) على ترك الختان قاتلهم الإمام (ولي الأمر)؛ لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه .
كما يشير إليه أيضاً أن مصدر تشريع الختان هو اتباع ملة إبراهيم، وقد اختتن، وكان من شريعته، ثم عده الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من خصال الفطرة، وأميل إلى تفسيرها بما فسرها الشوكاني وغيره ـ حسبما سبق ـ بأنها السنة التي هي طريقة الإسلام ومن شعائره وخصائصه كما جاء في فقه الحنفيين وليس المراد السنة الاصطلاحية ـ كما تقدم آنفاً .
ويؤيد ما ذهب إليه الفقه الشافعي والحنبلي، ومقتضى قول سحنون من المالكية من أن الختان واجب على الرجال والنساء(1) وهو مقتضى قول الفقه الحنفي(2) أنه لو اجتمع أهل بلدة على ترك الختان حاربهم الإمام، كما لو تركوا الأذان، وهذا ما أميل إلى الفتوى به .
وإذ قد استبان مما تقدم أن ختان البنات ـ موضوع البحث ـ من فطرة الإسلام، وطريقته على الوجه الذي بينه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه لا يصح أن يترك توجيهه وتعليمه إلى قول غيره، ولو كان طبيباً لأن الطب علم والعلم متطور، تتحرك نظرياته دائماً .
رأي الأطباء :ـ
وآية هذا أن قول الأطباء في هذا الأمر مختلف، فمنهم من يرى ترك ختان النساء، وآخرون يرون ختانهن لأن هذا يهذب كثيراً من إثارة الجنس، لاسيما في سن المراهقة التي هي أخطر مراحل حياة الفتاة، ولعل تعبير بعض روايات الحديث الشريف في ختان النساء بأنه مكرمة يهدينا إلى أن فيه الصون، وأنه طريق العفة فوق أنه يقطع تلك الافرازات الدهنية التي تؤدي إلى التهابات مجرى البول وموضع التناسل، والتعرض بذلك للأمراض الخبيثة .
هذا خلاصة ما قاله الأطباء المؤيدون لختان النساء، وأضافوا أن الفتاة التي تعرض عن الختان تنشأ من ضغرها، وفي مراهقتها حادة المزاج سيئة الطبع، وهذا أمر قد يصوره لنا، ويحذر من آثاره ما صرنا إليه في عصرنا من تداخل وتزاحم، بل وتلاحم بين الرجال والنساء في مجالات الملاصقة التي لا تخفى على أحد، فلو لم تختتن الفتيات على الوجه الذي شرحه حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأم حبيبة لتعرضن لمثيرات عديدة تؤدي بهن ـ مع موجبات أخرى تزخر بها حياة العصر وانكماش الضوابط فيه إلى الانحراف والفساد .
مقدار ما يقطع في الختان :ـ
يكون ختان الذكور بقطع الجلدة التي تغطي الحشفة، وتسمى القلفة، والغرلة بحيث تنكشف الحشفة كلها. وفي قول عند الحنابلة: إنه إن اقتصر على أخذ أكثرها جاز . وفي قول ابن كج من الشافعية: إنه يكفي قطع شيء من القلفة، وإن قل بشرط يستوعب القطع تدوير رأسها .
ويكون ختان الأنثى بقطع ما يطلق عليه الاسم من الجلدة التي كعرف الديك فوق مخرج البول، والسنة فيه أن لا يقطع كلها بل جزء منها(1)
وذلك الحديث أم عطية ـ رضي الله عنها ـ سالف الذكر من : أن امرأة كانت تختتن بالدينة، فقال لها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " لا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل "(2) .
وقت الختان:
ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الوقت الذي يصير فيه الختان واجباً هو ما بعد البلوغ، لأن الختان من أجل الطهارة، وهي لا تجب عليه قبله، ويستحب ختانه في الصغر إلى سن التمييز، لأنه أرفق به، ولأنه أسرع برءاً فينشأ على أكمل الأحوال .
وللشافعية في تعيين وقت الاستحباب وجهان:ـ
والصحيح المفتي به أنه يوم السابع، ويحتسب، يوم الولادة معه لحديث جابر:ـ
" عق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام "(1) .
وفي مقابله، وهو ما عليه الأكثرون أنه اليوم السابع بعد يوم الولادة، وفي قول الحنابلة والمالكية: أن المستحب ما بين العام السابع إلى العاشر من عمره، لأنها السن التي يؤمر فيها بالصلاة .
وفي رواية عن مالك أنه وقت الإثغار إذا سقطت أسنانه، والأشبه عند الحنفية أن العبرة بطاقة الصبي؛ إذ لا تقدير فيه فيترك تقديره إلى الرأي، وفي قول: أنه إذا بلغ العاشرة لزيادة الأمر بالصلاة إذا بلغها .
وكره الحنفية والمالكية والحنابلة الختان يوم السابع، لأن فيه تشبها باليهود(2) ولما كان الظاهر مما تقدم: أنه لم يرد نص صريح من السنة بتحديد وقت للختان، فيترك لولي أمر الطفل بعد الولادة ـ صبياً أو صبية، إذ أن ما ورد من أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ختن الحسن والحسين ـ رضي الله عنهما ـ يوم السابع غير مسلم بثبوته من البيهقي ومن الذهبي كما تقدم .
ومن ثم أميل إلى الفتوى بتفويض أمر تحديد وقت، وسن الختان للولي بمشورة الطبيب، للتثبيت من طاقة المختون ـ ذكراً أو أنثى ـ ومن مصلحته، ويكون هذا قبل البلوغ الطبيعي لكل منهما .
ختان من لا يقوى على الختان :ـ
من كان ضعيف الخلقة بحيث لو ختن خيف عليه، لم يجز أن يختن حتى عند القائلين بوجوبه بل ويؤجل حتى يصير بحيث يغلب على الظن سلامته؛ لأنه لا تعبد فيما يفضي إلى تلف، ولأن بعض الواجبات يسقط بخوف الهلاك .
وللحنابلة تفصيل في هذا ملخصه: أن وجوب الختان يسقط عمن خاف تلفاً ولا يحرم مع الخوف التلف لأنه غير متيقن، أما من يعلم أن يتلف به، وجزم بذلك فإنه يحرم عليه الختان(1) في قول عامة الفقهاء لقوله تعالى ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) (2) .
قولهم فيمن مات غير مختون :ـ
اتفقت كلمة الفقهاء على أنه :ـ
لا يختن الميت الأقلف الذي مات غير مختون؛ لأن المختان كان تكليفاً وقد زال بالموت، ولأن المقصود من الختان التطهير من النجاسة وقد زالت الحاجة بموته، ولأنه جزء من الميت فلا يقطع، كيده المستحقة في قطع السرقة، أو القصاص وهي لا تقطع من الميت، وخالف الختان قص الشعر والظفر، لأن هذين يزالان في الحياة للزينة، والميت يشارك الحي في ذلك، أما الختان فإنه يفعل للتكليف به، وقد زال بالموت .
وفي قول ثان للشافعية: أنه يختن الكبير والصغير، لأنه كالشعر والظفر وهي تزال من الميت . والقول الثالث عندهم: إنه يختن الكبير دون الصغير؛ لأنه وجب على البالغ دون الصغير(1) .
متى يضمن الخاتن …..؟
اتفق الفقهاء على تضمين الخاتن إذا مات المختون بسبب سراية جرح الختان، أو إذا جاوز القطع إلى الحشفة أو بعضها، أو القطع في غير محل القطع، وحكمه في الضمان حكم الطبيب، أي أنه يضمن من التفريط أو التعدي، وكذلك إذا لم يكن من أهل المعرفة بالختان (2) .
وللفقهاء تفصيل في هذه المسألة:ـ
فذهب الحنفية إلى أن الخاتن إذا ختن صبياً، فقطع حشفته، ومات الصبي فعلى عاقلة الخاتن نصف ديته ، وإن لم يمت فعلى عاقلته الدية كلها، وذلك لأن الموت حصل بفعلين: أحدهما مأذون فيه وهو قطع القلفة، والآخر غير ماذون فيه وهو قطع الجلدة وهو المأذون فيه كأن لم يكن، وقطع الحشفة غير مأذون فيه فوجب ضمان الحشفة كاملاً وهو الدية، لأن الحشفة عضو مقصود لا ثاني له في النفس، فيقدر بدله ببدل النفس كما في قطع اللسان(1) .
وذهب المالكية إلى أنه لا ضمان على الخاتن إذا كان عارفاً متقناً لمهنته، ولم يخطئ في فعله، كالطبيب، لأن الختان فيه تغرير فكأن المختون عرض الخاتن لما أصابه، فإن كان الخاتن من أهل المعرفة بالختان وأخطأ في فعله فالدية على عاقلته، فإن لم يكن من أهل المعرفة عوقب، وفي كون الدية على عاقلته، أو في ماله قولان :ـ
فلابن القاسم أنها على العاقلة، وعن مالك وهو الراجح أنها في ماله، لأن فعله عمد والعاقلة لا تحمل عمداً (2) .
وذهب الشافعية إلى أن الخاتن إذا تعدى بالجرح المهلك، كأن ختنه في سن لا يحتمله لضعف أو نحوه أو شدة حر أو برد، فمات لزمه القصاص، فإن ظن كونه محتملاً فالمتجه عدم القود لانتفاء التعدي .
ويستثنى من حكم القود الوالد وإن علا؛ لأنه لا يقتل بولده، وتلزمه دية مغلظة في ماله، لأنه عمد محض ـ فإن احتمل الختان وختنه ولي، أو وصي، أو قيم فمات فلا ضمان في الأصح، لإحسانه بالختان، إذ هو أسهل عليه ما دام صغيراً بخلاف الأجنبي لتعديه، ولو مع قصد إقامة الشعار .
ولم ير الزركشي القود في هذه الحالة على الأجنبي أيضاً؛ لأنه ظن أن يقيم شعيرة(1) .
وذهب الحنابلة إلى أنه لا ضمان على الخاتن إذا عرف منه حذق الصنعة ولم تجن يده، لأنه فعل فعلاً مباحاً فلم يضمن سرايته كما في الحدود، وكذلك لا ضمان إذا كان الختان بإذن وليه، أو ولي غيره أو الحاكم، فإن لم يكن له حذق في الصنعة ضمن؛ لأنه لا يحل له مباشرة القطع، فإن قطع فقد فعل محرماً غير مأذون فيه، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " من تطبب ولا يعلم منه طب فهو ضامن "(2) .
وكذلك يضمن إذا أذن له الولي وكان حاذقاً ولكن جنت يده ولو خطأ، مثل إن جاوز قطع الختان فقطع الحشفة أو بعضها، أو غير محل القطع، أو قطع بآلة يكثر ألمها أو في وقت لا يصلح القطع فيه وكذلك يضمن إذا قطع بغير إذن الولي (3) .
لما كان ذلك :ـ
وكان الختان للذكور وللإناث من سنة الإسلام، أي طريقته وسماته كما سبق النقل عن الشوكاني .
وكان الختان أو الخفاض للفتيات أنواع أربعة كما هو واضح من الشرح الطبي السابق في مقدمة الموضوع .
النوع الأول: وفيه يتم قطع الجلدة أو النواة فوق رأس البظر .
النوع الثاني: وفيه يتم استئصال جزء من البظر، وجزء من الشفرين الصغيرين .
النوع الثالث: وفيه ستأصل كل البظر، وكل الشفرين الصغيرين .
النوع الرابع: وفيه يزال كل البظر، وكل الشفرين الصغيرين، وكل الشفرين الكبيرين .
وكانت توجيهات وتعليمات رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأم حبيبة التي كانت صناعتها خفاض البنات قال: " أشمي ولا تنهكي " أي : اتركي الموضع اشم، والأشم المرتفع كما قال الجويني .
وقال الماوردي: وأما خفض المرآة فهو قطع جلدة في الفرج فوق مدخل الذكر ومخرج البول على أصل كالنواة ويؤخذ منه الجلدة المستعلية دون أصلها .
وكانت مذاهب الأئمة الشافعي وأحمد في أظهر أقواله، ومالك فيما قال به سحنون، ومقتضى الفقه الحنفي حيث أوجب قتال البلدة التي تترك الختان ـ كان مقتضى هذا ـ وجوب الختان للذكور والإناث، وكان ما يقطع لخفاض الأنثى ما بينه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تعليم الخاتنة أو حبيبة على ما جاء في حديث أم عطية سالف الذكر .
لما كان ذلك :
كان النوع الأول من طرق الختان أو الخفاض للبنات، وهو قطع الجلدة أو النواة فوق رأس البظر هو الواجب الاتباع : لأنه الوارد به النص الشرعي في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة " أشمي ولا تنهكي " أي اتركي الموضع أشم والأشم المرتفع، والمعنى اقطعي الجلدة التي كعرف الديك فوق البظر، ولا يستأصل البظر نهائياً، وقد علل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا بعبارة جامعة في رواية أخرى قال " فإنه أشرق للوجه احظى للزوج " .
آداب الختان :
تشرع الوليمة للختان، وتسمى الإعذار والعذار والعذرة والعذير.
والسنة: إظهار ختان الذكر، وإخفاء ختان الأنثى .
وصرح الشافعية بأنها تستحب في الذكر، ولا بأس بها في الأنثى للنساء فيما بينهن (1) .
وفي الختان ـ وفي شأن الختان عامة للذكر والأنثى ـ نذكر المسلمين بما جاء في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة : " لو اجتمع أهل بلد على ترك الختان قاتلهم الإمام ( أي ولي الأمر )، لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه (1) .
منقول .